شغلني اليوم كثيراً هذا المعنى .. ما هو الرضا بالله ؟ وما هو الرضا عن الله؟
وأيهما أعلى منزلةً من الآخر؟ وما السبيل لتحصي كلٍ منهما؟ وما النتائج المترتبة عليه!؟
أسئلة تبدو نظرية . تجد إجابتها في الكتب والمواقع والمنتديات .. وليس هذا ما أبغيه ..فالإجابة لي هي التي أستشعرها وأجد معناها فيّ بداخلي فما أنا إلا نفخة من الله .. وبداخلي تكمن إجابات عدة .. لا بأس بالاسترشاد .. لكن الـ “بوصلة” بداخلي أنا ..
الرضا بالله رباً .. أكررها دبر كل أذان وإقامة .. وفي أذكار الصباح وأذكار المساء .. ودبر كل صلاة .. أي بمعدل 17 مرة يومياً .. مصادفة عجيبة هي عدد ركعات اليوم
🙂
المهم .. هناك قاعدة أصولية عامة … التكرار يكون نابعاً إما عن رتابة وجهل .. أو أهمية قصوى .. وبالتالي فالتكرار الإلهي لشيء لا يكون إلا كوسيلة تنبية وإشارة لأهمية هذا الشيء .. أهمية الرضا بالله .. أن ترضى بالله وكل ما يتعلق به وبأموره وطرق إدارته وتدبيره وتسييره للأمور .. أن ترضى بما يرضيه وفقط ما يرضيه .. كيف تجعل من نفسك مرآة ترى فيها رضاك صورة مطابقة لرضاه .. كيف من نفسك انعكاساً لمشيئته فتحب ما يحب وتكره ما بكره ..
لا يتأتّى هذا بالنظري من القول .. وأعني أنه إذا أجبرت نفسك على الحب لم يصبح حباً بعد .. فالحب ينبع لا إرادياً وكذا الشعور بشكل عام .. وجب إذن البدء بما هو قبل الشعور وهو الاعتقاد .. المعتقد في الله والموقن بالخير في قضاء الله والواعي المقدر لحب الله له ورحمته به وحلمه ورأفته و .. إلخ .. ينظر للأمور نظرة تختلف تمام الاختلاف عن نظرة الغير .. إذ لا ينظر للأمر على انه أمر حدث له بل أمر حدث بتدبير الله المبر الحكيم الرحيم .. يوقن بالرحمة والحكمة في التدبير الإلهي حتى إذا غابت شواهدها عن ناظريه .. يوقن بها وإن لم يرها ..ولا يصعب عليه ذلك إذ أنها كإيمانه بالله وبكل شئون الغيب ..
وحب الله -إذا نششأ في النفس- أنشأ فيها حباً لقضاء الله لا ينفصل بحال عن حب الله
نجد مثالاً في مدارج السالكين لابن القيم:
لما قدم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى مكّة وقد كُف بصره , جعل الناس يُهرعون إليه ليدعو الله لهم , فجعل يدعو لهم , قال عبد الله بن السائب : (( فأتيته وأنا غلام , فتعرفت عليه , فعرفني , فقلت له : يا عمّ , أنت تدعو للناس فيشفون , فلو دعوت لنفسك أن يردّ الله بصرك , فتبسم وقال : يا بُنيّ قضاء الله أحبّ إلي من بَصري ))
حين يترسخ هذا الإيما بهذه الطريقة (وإن تدرج فيها ) ,… ينبع الشعور اللا إرادي الذي تحدثت عنه .. يبتسم والدموع في عينيه .. دموع الانسان .. وابتسامة المؤمن .. في آنٍ واحد .. يوقن بالخير الآت .. في الآخرة قبل الدنيا .. ينظر لكل مصيبة تصيبه على أنها هدية تقربه من منزلة رفيعة في الفردوس .. وهكذا الدنيا كلها له … مهما امتلك منها فهي في يديه وليست في قلبه .. ومهما فقد منها فما فقد إلا ما أبعده عن منزلته التي ينشدها في الفردوس !
الدنيا له جسر للآخرة .. لا يريد امتلاك هذا الجسر .. فقط يريد ما بعده .. هذا حال المؤمن ..
هذا عن الرضا بالله .. أي الرضا بما يتعلق بحكم الله .. حين تقول رضيت بفلان .. أي رضيت به حكماً . أي رضيت بحكمه .. أي أنك ترى فيه من الحكمة والرحمة والعدل ما يرضيك بحكمه مهما كان
أما الرضا عن الله .. فهو مختلف تمام الاختلاف .. إذ أن الرضا “عن” لا يرتبط بمتعلقات المرضي عنه من حكمه وقضائه … بل “الذات” .. أن ترضى عن الله هي أن ترضى عن “ذات” الله
أن ترضى عنه أي تقبله .. كما هو .. ترضى عنه .. منزلة لا ينبغي لعبد أن يدركها على سيده إذا لم يخبرنا الله أنها مأتيّة .. فقط لمن يستحقها .. رضي الله عنهم ورضوا عنه .. حين رضي عنهم .. اعطاهم الفضل أن يرضوا عنه .. حين أخبر الرسولُ الصديق :”يا أبا بكر .. إن الله يخبرك أنه راضٍ عنك .. فهل أنت راضٍ عنه؟” ” فبكى الصديق وقال:” با رسول الله .. وكيف لا أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟!!” .. الرضا بالله ربا .. الرضا بقضاء الله .. ثم المنزلة الأرفع على الإطلاق .. الرضا عن ذات الله .. الرضا عن الله .. جعلنا الله ممن قال فيهم “رض الله عنهم ورضوا عنه .. ذلك لمن خشي ربه” .. آمين
اللهم اجلعني ممن رضي بك .. ورضي بقضائك .. وخشاك حق خشيتك فجعلته ممن قلت فيهم: رضي الله عنهم ورضوا عنه!